أعلن ترامب خلال مأدبة رسمية منح السعودية صفة "حليف رئيسي من خارج الناتو"، واعتبر ذلك “نقطة جديدة” لصالح ولي العهد. استُعرضت في الزيارة اتفاقيات عدة شملت شراكات جديدة في الذكاء الاصطناعي مع شركات تقنية أمريكية عملاقة، وإطلاق رقائق إنفيديا المتقدمة لشركات سعودية، واحتمال بيع مقاتلات F-35، وتعهدًا سعوديًا “اسميًا” باستثمار يقارب تريليون دولار في الاقتصاد الأمريكي، مقابل تعهد مماثل من ترامب بالنظر في حل الحرب الأهلية في السودان. غير أن كثيرًا من هذه الصفقات بدا أقل صلابة مما يوحي به العنوان، إذ اتكأت على أرقام ضخمة للتأثير الإعلامي أو تفاهمات أولية تحتاج مفاوضات لاحقة لتثبيتها.
رغم ذلك، حملت الزيارة ربحًا معنويًا واضحًا لابن سلمان. عاد إلى البيت الأبيض بعد سنوات من العزلة التي أعقبت اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، واستقبلته إدارة ترامب بحرارة ملحوظة، شملت تحليقًا احتفاليًا لطائرات F-35، ومأدبة رسمية، ومؤتمر استثماري ضم أسماء وازنة من وادي السيليكون وقطاع الملكية الخاصة. قدّم ترامب ولي العهد بعبارات مدح صريحة، بل دافع عنه أمام أسئلة الصحافة المتعلقة بحقوق الإنسان وخاشقجي، وانتقد وسائل إعلام طرحَت الموضوع بحدة.
واجه ولي العهد تحفظًا خارج الدائرة الضيقة للرئيس، إذ تجنّب بعض قادة الكونجرس التقاط الصور معه، وحرصت تغطيات إعلامية كثيرة على تذكير الجمهور بملف خاشقجي والانتهاكات الأحدث مثل ارتفاع وتيرة الإعدامات. ومع ذلك، استمر التواصل العملي مع الطرفين؛ التقى مشرعين من الحزبين، وتسابقت شركات أمريكية على استكشاف فرص الأعمال السعودية. ركّزت افتتاحيات صحف كبرى على سلوك ترامب أكثر من نقد مباشر لابن سلمان، مع الإشارة إلى “واقعية جيوسياسية” تفرض التعامل مع “شركاء غير مثاليين”.
يتجاوز المغزى البعد البروتوكولي إلى مفهوم “المكانة الدولية” بوصفها اعترافًا جماعيًا بموقع الدولة في النظام العالمي. في هذا الإطار، سعت القيادة السعودية إلى توظيف الزيارة لتعزيز الشرعية داخليًا ورسائل القوة خارجيًا. عكست وسائل الإعلام السعودية ذلك بإطار احتفائي يبرز “القوة العالمية” للمملكة وتأمين أولوياتها على أجندة واشنطن، وتحدث بعض المعلقين بثقة عن انتهاء زمن الابتزاز والإهانة. ذهب آخرون إلى المبالغة بالقول إن السعودية أول من نال صفة الحليف من خارج الناتو، بينما الواقع يضعها الرقم الحادي والعشرين والتاسعة إقليميًا.
في المقابل، حاولت تغطيات محلية وعربية تقديم ولي العهد كقائد مستقل يحافظ على مسافة سيادية حتى مع الشراكة الوثيقة مع الولايات المتحدة، مع إبراز دعمه لمسار دولة فلسطينية، وتفادي تسليط الضوء على رغبته المعلنة في الانضمام إلى "اتفاقيات إبراهام".
مع ذلك، تظل المكانة نسبية، وبعض النتائج لم تطابق سقف التوقعات السعودية. برزت صفقة F-35 كمؤشر حساس قد يخل بتوازن التفوق العسكري لإسرائيل، التي تميزت طويلًا بكونها الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك هذه الطائرة. برّر ترامب التوجه بكون الطرفين “حليفين عظيمين”.
الخلاصة أن الزيارة جسّدت مقايضة سياسية رمزية: صورة إعادة الإدماج في واشنطن مقابل حزمة وعود اقتصادية وأمنية. أعادت الزيارة رسم مشهد العلاقة السعودية الأمريكية على قاعدة براجماتية صريحة، حيث تتقدّم المصالح على الاعتبارات الأخلاقية، وتتقاطع “الهيبة” مع “الصفقة” في لوحة واحدة تعكس تعقيدات الواقعية الجيوسياسية في لحظة دولية متقلّبة.

